من المعلوم أن الله جل وعلا لما أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، أراد أن يكون دين الإسلام هو آخر الأديان، ولذا فإنه اشتمل على كل ما فيه صلاح العباد في حياتهم ومعادهم. والفرائض والعبادات في الإسلام شرعت على هذا المبدأ، ففيها الخير العظيم في الدنيا والآخرة، ومن أعظم ما شرعه الله لعباده بعد الشهادتين الصلاة، التي هي ركن الإسلام الثاني، وقد أودع فيها من الفوائد والخصائص ما لا تجده في غيرها، وما زال العلماء في الشرق والغرب يكتشفون ما للصلاة من فوائد صحية على جسم الإنسان، ولا عجب في ذلك فهو تشريع رب العالمين الحكيم الخبير، هذا ولا تقتصر فوائد الصلاة على صحة الإنسان الجسمية بل لها فوائد روحية ونفسية عظيمة، اكتشفها العلماء قديما وحديثا، وهنا نعرض طرفا مما ذكره الإمام ابن القيم (رحمه الله) عن فوائد الصلاة يقول رحمه الله : قال الله تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" (البقرة: 45)، وقال: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" (البقرة: 153). وقال تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى" (طه: 132). وفي "السنن": كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ن إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة (وهو صحيح أخرجه احمد وأبو داود من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه). وقد تقدم ذكر الاستشفاء بالصلاة من عامة الأوجاع قبل استحكامها (ذكر ذلك في كتابه زاد المعاد فليراجع) والصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعه للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن. وبالجملة: فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داءٍ أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل، وعاقبته أسلم. وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسر ذلك أن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه.
نقلا من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية
__________________
أتيتك راجيا يا ذا الجلال ... ففرّج ما ترى من سوء حالي
عصيتك سيّدي ويليبجهلي ... وعيب الذنب لم يخطر ببالي
الى من يشتكي المملوك الا ... الى مولاهيا مولى الموالي
فويلي لم أمي لم تلدني ... ولا أعصيك في ظلمالليالي
وها أنا ذا عبيدك عبد سوء ... ببابك واقف يا ذا الجلال
فانعاقبت يا ربي فاني ... محق بالعذاب وبالنكال
وان تعفو فعفوك أرتجيه ... ويحسن ان عفوت قبيح حالي